الاوضاع الجيوسياسية الحالية ومدى تاثيرها على صناعة التامين

ما هو الخطر الجيوسياسي ؟
يمكن فهم الخطر الجيوسياسي على أنه خطر ناشئ عن التفاعلات بين الدول. وتشمل هذه التفاعلات العلاقات التجارية، والشراكات الأمنية، والتحالفات، ومبادرات المناخ متعددة الجنسيات، والسلاسل الجيوسياسية، والنزاعات الإقليمية ، والتهديدات الجيوسياسية على مستوى الدولة، والتأثير التجاري على نطاق واسع. من أمثلة التهديدات التجارية: العقوبات ، ومخاطر السمعة، والحروب التجارية والحمائية، وإعادة هيكلة السلاسل الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية / المالية العالمية.
في العصر الحديث، أصبحت الجغرافيا السياسية أداة لفهم العلاقات الدولية ومخاطر التدخل العسكري والعقوبات الاقتصادية، كما باتت تلعب دورًا محوريًا في تحديد فرص ومخاطر الاستثمار في القطاعات المختلفة ومنها قطاع التأمين.
صناعة التأمين: المفهوم والنطاق العالمي
صناعة التأمين هي نظام اقتصادي يوفر الحماية من المخاطر المالية عبر آلية جمع الأقساط من الأفراد أو الكيانات وتوزيع التعويضات على المتضررين. و تشمل هذه الصناعة فروعًا عديدة مثل التأمين الصحي، التأمين على الحياة، التأمين ضد الحريق، التأمين البحري، وتأمين المسؤوليات. كما تشكل إعادة التأمين عنصرًا رئيسيًا فيها، حيث تساعد شركات إعادة التأمين في توزيع المخاطر جغرافيًا ومالياً لتقليل الأثر المحتمل للكوارث والأزمات الكبرى.
في الاقتصاد المعولم، أصبحت شركات التأمين جزءًا لا يتجزأ من آليات النمو حيث تؤمّن الأصول والعمال والعمليات والتجارة. ومن ثم، فإن أي اضطراب سياسي أو جغرافي يؤدي مباشرة إلى إعادة تقييم المخاطر وزيادة التكاليف.
العلاقة بين الأوضاع الجيوسياسية وصناعة التأمين
تتأثر صناعة التأمين بالأوضاع الجيوسياسية من عدة جوانب، منها:
أمثلة تاريخية على تأثير الأوضاع الجيوسياسية على صناعةالتأمين
حدث مفصلي غّير ملامح سوق التأمين العالمي، خاصة التأمين ضد الإرهاب، حيث ارتفعت الأقساط وشهد السوق زيادة في المنتجات التأمينية الخاصة بالكوارث الإرهابية.
من أبرز الأمثلة الحديثة، حيث أدت هذه الحرب إلى تغييرات حادة في أسعار التأمين على الشحن والنقل البحري في البحر الأسود، إضافة إلى القيود على التعاملات المالية وارتفاع تكاليف إعادة التأمين بسبب توسع المخاطر الجيوسياسية.
في أواخر عام 2023، بدأت سلسلة من الهجمات علىالسفن التجارية في البحر الأحمر من قبل جماعةالحوثي، مما أثر على مسار التجارة العالمية،خصوصًا تلك المارّة عبر قناة السويس. وقد ترتب علىهذا الوضع:
أبرز المخاطر الجيوسياسية المؤثرة في العقد الحالي
المصدر: S&P Global
التأثيرات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي وصناعة التأمين العالمية
تداخل الجغرافيا السياسية مع الاقتصاد العالمي
شهد العقدان الأخيران تزايدًا ملحوظًا في تعقيد التفاعلات الجيوسياسية بين الدول، الأمر الذي ألقى بظلاله الثقيلة على استقرار الاقتصاد العالمي وأسواق التأمين الدولية. فلم تعد الحروب والصراعات المسلحة والاضطرابات السياسية محصورة في آثارها الإقليمية، بل أصبحت تمتد سريعًا إلى الأسواق المالية، وسلاسل الإمداد، وتكلفة الخدمات اللوجستية وأسعار السلع ونظم التمويل العالمية .
و جعلت هذه البيئة المتقلبة من صناعة التأمين لاعبًا رئيسيًا في إدارة المخاطر الناتجة عن تلك الأوضاع، ولكنها في الوقت نفسه جعلت تلك الصناعة معرضة أكثر من أي وقت مضى للتقلبات المفاجئة والخسائر واسعة النطاق.
في عالم معولم يتشابك فيه الاقتصاد مع السياسة، أصبح من غير الممكن النظر إلى التأمين بوصفه قطاعًا مستقلًا عن السياقات الجيوسياسية. فكل تحول سياسي رئيسي أو تصعيد عسكري في منطقة ذات أهمية استراتيجية يمكن أن يؤدي إلى تغييرات فورية في أسعار إعادة التأمين وشروط التغطية وتقييم الأخطار وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تكلفة المنتجات التأمينية وثقة العملاءوربحية الشركات.
النزاعات الدولية وتأثيرها على سلاسل الإمداد والتجارة العالمية
تمثل النزاعات المسلحة والأزمات السياسية أحد أبرز العوامل التي تعطل حركة التجارة العالمية. وتؤدي هذه الاضطرابات إلى إغلاق ممرات بحرية أو برية حيوية أو فرض قيود على صادرات وواردات بعض السلع أو حتى تجميد الأصول والشركات مع كل ذلك يتسبب في اضطراب سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف النقل، وهو ما يدفع إلى زيادة الطلب على التأمين، لا سيما التأمين البحري والجوي وتأمين الشحنات.
فعلى سبيل المثال، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت عام 2022 في إغلاق العديد من الموانئ البحرية في البحر الأسود، وأدت إلى تقليص حركة الشحن البحري، وارتفاع تكاليف التأمين على السفن والشحنات العابرة لتلك المنطقة . كما أدى النزاع بين الجانبينالايراني و الإسرائيلي إلى تعطل الكثير من الشحنات الجوية بسبب غلق المجال الجوي لأكثر من بلد و ايضا تفكير الجانب الايراني في غلق مضيق هرمز و الذي يعد أحد أهم شرايين النفط في العالم، ويربط الخليجالعربي ببحر العرب، ويمر به قرابة 20 مليون برميل من النفط ومشتقاته يوميا، و هو ما يمثل نحو خمس شحنات النفط العالمية، مما يجعل محاولة إغلاقه تؤثر على أسواق الطاقة.
كما فرضت العديد من شركات التأمين العالمية حظرًا على تغطية المخاطر في مناطق الصراع أو رفعت أقساط التأمين بشكل كبير.
و قد سبق أن تسببت التوترات الجيوسياسية في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي والخليج العربيوأفريقيا في تعطيل حركة الحاويات والبضائع، وأجبرت شركات الشحن على اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة، ما أدى إلى زيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة البحرية والتأمين ضد مخاطر الحرب والتأمين ضد الخسائر الناجمة عن التأخير.
العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على صناعة التأمين
تشكل العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية من أدواتالسياسة الخارجية، وتستخدمها الدول الكبرىكوسيلة للضغط السياسي أو الاقتصادي على دولأخرى. إلا أن هذه العقوبات لا تتوقف عند حدود الدولةالمستهدفة، بل تمتد آثارها لتشمل جميع الشركاتوالمؤسسات العاملة معها، بما في ذلك شركات التأمينوإعادة التأمين.
حين تُفرض عقوبات على دولة ما، فإن شركات التأمينالتي كانت توفر تغطيات لأصول أو عمليات في تلكالدولة تجد نفسها أمام خيارين كلاهما صعب : فإماالتوقف الفوري عن تقديم الخدمة وتعريض نفسهالخسائر قانونية وتعويضات، أو الاستمرار فيالتغطية مع احتمال التعرض لغرامات مالية ضخمةمن الجهات المنظمة الدولية، مثل مكتب مراقبة الأصولالأجنبية الأمريكي (OFAC).
وقد تأثرت صناعة التأمين العالمية بالعقوباتالمفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا، حيث تراجعتتغطيات التأمين البحري، وتأمين الطاقة، وحتىالتأمين على التجارة الدولية. كذلك، فإن العقوباتالمفروضة على البنوك في تلك الدول تعرقل تسويةالمطالبات التأمينية وتحويل الأموال، مما يضيفأعباء مالية على الشركات المؤمِّنة ويقلل من كفاءتهاالتشغيلية.
ارتفاع تكلفة إعادة التأمين نتيجة تصاعد المخاطر الجيوسياسية
إعادة التأمين هي صمام الأمان الرئيسي لصناعة التأمين، إذ تتيح توزيع المخاطر على نطاق أوسع وتخفف من الصدمات الكبرى. غير أن الأوضاع الجيوسياسية الحالية دفعت شركات إعادة التأمين إلى إعادة النظر في نماذجها التسعيرية، وإعادة تقييم مخاطرها عبر العالم، لا سيما في المناطق التي تشهد تصعيدًا سياسيًا أو أمنيًا.
وقد لاحظت الأسواق العالمية ارتفاعًا حادًا في أسعار إعادة التأمين بعد أحداث مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، والتوترات في شرق أوروبا، والاضطرابات في منطقة الخليج. يعود ذلك إلى عدة أسباب:
هذا الارتفاع في أسعار إعادة التأمين ينعكس مباشرة على أسعار وثائق التأمين المقدمة للعملاء ويؤدي إلى انكماش الطلب في بعض التغطيات أو إلى مطالبة العملاء بتقليل التغطيات وهو ما يزيد من مستوى المخاطر غير المؤمن عليها في الاقتصاد.
تأثر بعض فروع التأمين بالصراعات المسلحة
تأثرت الكثير من فروع التأمين بالأوضاعالجيوسياسية، نظرًا لاعتمادها المباشر على البيئةالجغرافية والسياسية للطرق والمسارات الدولية. وفيظل النزاعات المسلحة وتهديدات الإرهاب والقرصنةالبحرية، باتت شركات التأمين تواجه تحديات متزايدةفي تحديد مستويات الأخطار وتكاليف التغطية.
على سبيل المثال، ارتفعت أسعار التأمين على السفنوالطائرات العابرة للمجالات الجوية أو الممراتالبحرية القريبة من مناطق النزاع، مثل مضيق هرمزوالبحر الأسود وخليج عدن ومضيق تايوان و فيبعض الحالات، اضطرت شركات التأمين إلى إدراج“شرط الحرب” أو “استثناء الإرهاب“، أو فرضتزيادات كبيرة على الأقساط.
تأثر التأمين البحري بشكل خاص بالحرب الروسيةالأوكرانية، حيث أوقفت العديد من الشركات تغطيةالسفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية، وفرضت قيودًاعلى تغطية الحمولات القادمة من روسيا. كما أنتصنيف مناطق الصراع كمناطق عالية المخاطر منقبل لجنة الحرب المشتركة (JWC) التابعة لسوقلويدز في لندن أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في تكلفةالتأمين على السفن والتأمين ضد الحرب.
أما في مجال تأمين الطيران ، فإن المخاطر تشملاحتمال إسقاط الطائرات، أو تقييد المجال الجوي فيمناطق معينة، أو تعرض المطارات لأعمال عدائية. منالأمثلة الصارخة على ذلك إسقاط طائرة الخطوطالجوية الماليزية MH17 فوق شرق أوكرانيا عام 2014،والذي شكّل نقطة تحول في تقييم شركات التأمينلمخاطر الطيران المدني في مناطق النزاع.
أما في مجال تأمين الطاقة فقد ارتفعت المخاطر نتيجة لاستهداف المنشآت النفطية و مصافي التكرير و تهديد خطوط الأنابيب . و أدى ذلك إلى زيادة أسعار التأمين على الأصول البترولية في مناطق الخطر (مثل الخليج وبحر قزوين). و زيادة الطلب على التغطيات المتخصصة مثل تأمين الإرهاب، وتعطل الأعمال بسبب الحروب. بالإضافة إلى تطور نموذج التأمين السيادي في بعض الدول لضمان أمن مواردها الاستراتيجية.
و قد أبرز تقرير لوكالة رويترز توقعات بارتفاع أقساط التأمين بما يتراوح بين3 إلى 8 دولارات إضافية لكل برميل نفط في حال استهداف منشآت نفطية أو حصار المضائق، وأوضح المحللون أن “علاوة الحرب” ستبقى مرتفعة خلال الفترة المقبلة، وقد تتصاعد أكثر حال توسّع الصراع لضمان تغطية مخاطر انقطاع الإمدادات أو الهجمات على السفن.
و في مجال تأمينات السفر: تؤثر النزاعات الجيوسياسية على تأمينات السفر. فقد أدت الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى إلغاء آلاف الرحلات الجوية في الشرق الأوسط أو تغيير مساراتها مما أدى إلى زيادة إلغاءات السفر، و الذيانعكس سلبًا على تأمينات السفر. و في حالة استمرار الحرب ستضطر شركات التأمين إلى دفع تعويضات ضخمة بسبب إلغاءات السفر.
تأثير المخاطر الجيوسياسية على نماذج التسعير والتقييم
تقوم شركات التأمين باستخدام نماذج اكتوارية تعتمد على عوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية.
و في ظل الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، تلجأ هذه الشركات إلى:
تطور التشريعات التأمينية لمواجهة المخاطر الجيوسياسية
بدأت العديد من الهيئات الرقابية الوطنية والدولية في تعديل الأطر القانونية المنظمة لسوق التأمين، ومنها:
تأثير الحروب على صناعة التأمين وإعادة التأمين
لطالما اعتُبرت الحرب خطرًا يكاد يكون من المستحيل تأمينه؛ فاستبعاد الحرب قديمٌ بقدم صناعة التأمين نفسها. قد تتمكن الشركات والأفراد الذين يواجهون خطرًا معروفًا من شراء وثيقة تأمين منفصلة ضد مخاطر الحرب، وكما ثبت في الاستجابة لحرب أوكرانيا، يمكن ترتيب تغطيات محددة من خلال التعاون بين القطاعات لدعم المرور الآمن للصادرات الحيوية وجهود الإغاثة.
و يوفر التأمين الدعم ضد الخسائر المالية، كما توفر صناعة التأمين التوجيه والخبرة لمساعدة العملاء على فهم نقاط ضعفهم وتعزيز قدرتهم على الصمود.
أمثلة لبعض النزاعات و انعكاسها على صناعة التأمين العالمية
الحرب الروسية الأوكرانية (2022 – مستمرة)
تُعدّ الحرب الروسية الأوكرانية من أبرز الأمثلة المعاصرة لتأثير الصراعات الجيوسياسية على التأمين العالمي. فقد أدى الغزو إلى:
وقد واجهت شركات التأمين صعوبات في تسوية المطالبات نتيجة تجميد الأصول الروسية وصعوبة التحويلات المالية. كما ارتفعت المطالبات المتعلقة بتأمين المصانع والممتلكات المتضررة من القصف، مما أثّر على نتائج أرباح شركات التأمين الأوروبية.
التصعيد في الشرق الأوسط (2023- 2025)
شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا متسارعًا في الشرق الأوسط، خاصةً في مناطق مثل اليمن، العراق، سوريا، وغزة والآونة الاخير الحرب الايرانية الإسرائيلية حيثانعكست هذه التوترات على أسواق التأمين عبر:
أدت هذه الأحداث إلى إضعاف ثقة المستثمرين ودفعتهم لطلب تغطيات تأمينية أكثر مرونة، مما رفع الطلب على منتجات التأمين السياسي.
التوتر في بحر الصين الجنوبي (منذ نهاية القرن الماضي – حتى الآن)
يمثل بحر الصين الجنوبي نقطة توتر استراتيجي بين الصين وعدد من الدول المجاورة وعلى رأسها الفلبين وفيتنام وماليزيا، إضافة إلى التدخل الأمريكي المتكرر. و يمر عبر هذه المنطقة نحو 30% من التجارة البحرية العالمية.
وقد دفعت التوترات العسكرية والمناورات المستمرة شركات التأمين إلى:
كما أبدت شركات الشحن قلقًا من تحول التوترات إلى نزاع مباشر، مما دفعها إلى طلب تغطيات تأمينية مرنة وسريعة التعديل.
دور شركات التأمين العالمية في تقييم المخاطر السياسية
أدركت شركات التأمين العالمية أن التغير المستمر في البيئة الجيوسياسية يتطلب أدوات أكثر تطورًا لتقييم الأخطار ولذلك، بدأت هذه الشركات في توظيف محللين سياسيين، وخبراء أمنيين وأنظمة ذكاء اصطناعي لرصد ومتابعة الأوضاع الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على الأسواق والعمليات
وتقوم شركات مثل ميونيخ ري و سويس ري و هيئةاللويدز بتحديث خرائط الأخطار بشكل دوري، وتصدر تقارير تقييمية عن المناطق الجغرافية الخطرة، وتأثير العقوبات، وإمكانية اندلاع النزاعات و كذلك تعتمد على شراكات مع مؤسسات بحثية وجيوسياسية مثلEurasia Group وStratfor
و قد أطلقت بعض الشركات منتجات تأمينية متخصصة لتغطية” المخاطر السياسية” و تشمل:
ويتم تسعير هذه الوثائق بناء على معايير دقيقة تتعلق باستقرار النظام السياسي، ومؤشرات الحوكمة، والتاريخ الأمني، والعلاقات الدولية للدولة المستهدفة
كيف تستجيب شركات التأمين للأزمات الجيوسياسية المفاجئة
رغم استخدام أدوات تحليلية متقدمة، إلا أن الأزمات الجيوسياسية عادة ما تأتي فجأة، مما يتطلب استجابات مرنة وفورية. و تشمل أبرز الممارسات التي طورتها شركات التأمين في هذا السياق :
و قد باتت المرونة التنظيمية وسرعة الاستجابة من أهم مؤشرات كفاءة شركات التأمين في بيئة مشبعة بالمخاطر السياسية.
انعكاس التوترات الجيوسياسية على صناعة التأمين المصرية:
تشكّل الأوضاع الجيوسياسية ضغوطًا متعددة الأوجه على صناعة التأمين في مصر، بدءًا من ارتفاع تكاليف إعادة التأمين، ومرورًا بتقلب أسعار الصرف وزيادة معدلات التضخم، ووصولًا إلى تغيّر نية المستثمرين وتراجع قيمة المحافظ الاستثمارية
تُعد شركات إعادة التأمين العالمية شريكًا رئيسيًا لسوق التأمين المصري، نظرًا لأن الشركات المحلية تعتمد بشكل كبير على المعيدين العالميين لتغطية الأخطار الكبرى. وعندما تتأثر الأسواق العالمية بالأزمات الجيوسياسية، كما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية، أو التوترات في البحر الأحمر، تتجه شركات إعادة التأمين إلى:
وقد شهد السوق المصري بعد عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار اتفاقيات إعادة التأمين، خصوصًا في قطاعات الطاقة والنقل البحري والتأمين ضد الحريق.
مثل: التأمين البحري و تأمين الطيران
يمثّل التأمين البحري أحد أكثر الفروع تأثرًا بالأوضاع الجيوسياسية نظرًا لاعتماده على التجارة الدولية وخطوط الشحن. وقد تأثرت نتائج هذا الفرع بأحداث مثل :
وقد أدى تغيير خريطة الشحن البحري إلى ارتفاع أقساط التأمين على السفن والبضائع في مصر، حيث تعتمد التجارة الخارجية بشدة على المرور الآمن عبر قناة السويس، وقد أدى ذلك إلى:
يثير جانب الطيران قلقًا أكبر لدى شركات التأمين بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية ، فقد قامت شركات الطيران بتعليق أو إلغاء رحلاتها في الشرق الأوسط.
الأثر على المسافرين وشركات التأمين
سيمتد تأثير التهديدات الأمنية إلى المسافرين وشركات التأمين على حد سواء. فقد يواجه المسافرون تأجيلات أو إلغاءات متكررة للرحلات، إلى جانب ارتفاع في أسعار التذاكر نتيجة زيادة تكاليف التشغيل والتأمين. كما قد تصبح بعض الوجهات غير متاحة للسفر، مما يقيّد خيارات السفر ويؤثر على حركة السياحة والأعمال.
من جهة أخرى، ستُضطر شركات التأمين إلى إعادة تقييم نماذج تسعير المخاطر، وزيادة الاحتياطيات المخصصة لتغطية الحوادث المرتبطة بالنزاعات المسلحة أو الهجمات السيبرانية، وهو ما سينعكس على شروطالتغطية وأسعارها..
آثار الهجمات الإسرائيلية الإيرانية على سوق التأمين في الشرق الأوسط
وكالة بلومبرج 18 يونيو 2025: ارتفعت تكلفة التأمين على السفن المبحرة في الخليج العربي، حيث أدت الهجمات بين إسرائيل وإيران إلى زيادة المخاطر التي تتعرض لها السفن في المنطقة.
تتقاضى شركات التأمين الآن 0.2% من قيمة السفينة للرحلات المتجهة إلى الخليج، ارتفاعًا من 0.125% قبل اندلاع الصراع، وفقًا لماركوس بيكر ، الرئيس العالمي للشحن البحري والخدمات اللوجستية في مارش ماكلينان ، إحدى كبرى شركات وساطة التأمين. وأضاف أن أسعار الرحلات المتجهة إلى البحر الأحمر ارتفعت أيضًا. كما ذكر أن مدة صلاحية الأسعار تقلصت إلى 24 ساعة بدلا من 48 ساعة، وهو ما يعكس التقلبات في السوق. و أضاف أن هناك زيادة حادة في أسعار السفن التي ترسو في إسرائيل، حيث تضاعفت الرسوم ثلاث مرات لتصل إلى 0.7% من تكلفة السفينة، مقارنة بـ 0.2%..
وكالة رويترز 17 يونيو 2025: كما ذكرت مصادر في صناعة التأمين أن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب على الشحنات المتجهة إلى إسرائيل ارتفعت بما يصل إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه قبل أسبوع من بداية الحرب بين إسرائيل وإيران .
وأضافوا أن تكلفة الرحلة التي تستغرق سبعة أيام إلى الموانئ الإسرائيلية تراوحت بين 0.7% و1.0% من قيمة السفينة، مقابل نحو 0.2% قبل أسبوع.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية
تشير التوقعات إلى أن العالم سيظل عرضة لتوترات سياسية ومناطق نزاع متكررة، خاصة في ظل التنافس على الموارد الطبيعية والتحولات المناخية والهجرات الجماعية. وبالتالي، فإن صناعة التأمين ستظل في حالة تأقلم دائم مع تلك التغيرات، سواء من خلال منتجات تأمين جديدة أو آليات تسعير مرنة أو تعزيز التعاون الدولي في مجال إعادة التأمين.
لذا يوصي الاتحاد بما يلي: