مستقبل الوظائف في ظل تصاعد الذكاء الاصطناعي
مستقبل الوظائف في ظل تصاعد الذكاء الاصطناعي
يشهد العالم تحولات جذرية وسريعة في مختلف جوانب الحياة، مدفوعة بالتقدم التكنولوجي المتسارع، وعلى رأسها صعود الذكاء الاصطناعي (AI). لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم مستقبلي، بل أصبح واقعًا ملموسًا يعيد تشكيل الصناعات، ويغير طريقة عملنا، ويؤثر بشكل عميق على سوق العمل العالمي. تثير هذه الثورة التكنولوجية العديد من التساؤلات حول مستقبل الوظائف: هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى بطالة جماعية؟ أم سيخلق فرصًا جديدة تتطلب مهارات مختلفة؟ وما هي التحديات والفرص التي يفرضها هذا التحول على الأفراد والمؤسسات والحكومات؟
مفهوم الذكاء الاصطناعي وتطوره
الذكاء الاصطناعي (AI) هو فرع من علوم الحاسوب يركز على تطوير أنظمة وبرامج تحاكي القدرات الذهنية للبشر، مثل التعلم، والاستنتاج، والتفكير، ورد الفعل، واتخاذ القرارات، والإدراك، حتى في مواقف لم يتم برمجتها أو تدريبها عليها. يُعرف الذكاء الاصطناعي أيضًا بأنه قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح، والتعلم من هذه البيانات، واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن.
بدأ مفهوم الذكاء الاصطناعي بالظهور في منتصف القرن العشرين، عندما طرح عالم الرياضيات آلان تورينغ سؤالًا شهيرًا: “هل تستطيع الآلة التفكير؟”. تم استخدام مصطلح “الذكاء الاصطناعي” لأول مرة في مؤتمر دارتموث عام 1956. ومنذ ذلك الحين، شهد المجال تطورات كبيرة، خاصة مع التقدم في علم الأعصاب، ونظرية المعلومات الرياضية، وتطور علم التحكم الآلي، واختراع الحاسوب الرقمي. في الستينيات، بدأت الأبحاث في الذكاء الاصطناعي تتلقى تمويلًا سخيًا، وظهرت برامج قادرة على حل مسائل الجبر وإثبات النظريات المنطقية والتحدث باللغة الإنجليزية.
يستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في مجالات متعددة، منها:
بفضل التقدم في تقنيات تعلم الآلة والشبكات العصبية العميقة، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على أداء مهام كانت في السابق حكرًا على البشر، مما يجعله أحد أبرز تقنيات الثورة الرقمية.
تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل
يُعد تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل موضوعًا معقدًا ومتعدد الأوجه، حيث يثير مخاوف بشأن فقدان الوظائف، ولكنه في الوقت نفسه يخلق فرصًا جديدة ويغير طبيعة الوظائف الحالية.
الوظائف المهددة بالذكاء الاصطناعي
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على ميكنة المهام الروتينية والمتكررة، مما يهدد عددًا من الوظائف. من أبرز الوظائف المهددة بالانقراض أو التي ستشهد تراجعًا كبيرًا بسبب الذكاء الاصطناعي ما يلي:
•وظائف التصنيع: الروبوتات الصناعية والأنظمة الآلية قادرة على أداء مهام التصنيع بكفاءة أعلى.
•وظائف إدخال البيانات: المهام التي تتطلب إدخال البيانات ومعالجتها بشكل متكرر.
•خدمة العملاء الروتينية: روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين يمكنهم التعامل مع الاستفسارات المتكررة.
•وظائف المحاسبة والإدارة: المهام الروتينية في المحاسبة والإدارة يمكن ميكنتها.
•وظائف النقل: مثل سائقي الشاحنات والمركبات، مع تطور السيارات ذاتية القيادة.
•المدققون اللغويون والعاملون في المونتاج: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بمهام التدقيق اللغوي والمونتاج بشكل أسرع وأكثر دقة.
•كتابة المحتوى والترجمة: بعض أنواع كتابة المحتوى والترجمة يمكن أن تتم بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
الوظائف الجديدة التي يخلقها الذكاء الاصطناعي
على الرغم من المخاوف من فقدان الوظائف، فإن الذكاء الاصطناعي يخلق أيضًا فرص عمل جديدة في مجالات لم تكن موجودة من قبل. من المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي ملايين الوظائف الجديدة بحلول عام 2030.
وتشمل هذه الوظائف:
•متخصصو البيانات والذكاء الاصطناعي: علماء البيانات، مهندسو تعلم الآلة، خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، مطورو الذكاء الاصطناعي.
•خبراء الأمن السيبراني والخصوصية الرقمية: مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، يزداد الطلب على حماية البيانات والشبكات.
•مديرو الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG): مع تزايد اهتمام الشركات بالمعايير البيئية والاجتماعية.
•متخصصو الرعاية الصحية وعلوم الحياة: تطوير حلول صحية قائمة على الذكاء الاصطناعي.
•مهندسو الروبوتات: تصميم وتطوير الروبوتات للعديد من الصناعات.
•محللو البيانات الضخمة: تحليل كميات هائلة من البيانات لاستخلاص الرؤى.
•مديرو عمليات الذكاء الاصطناعي: الإشراف على تنفيذ وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في الشركات.
تغير طبيعة الوظائف الحالية
بدلاً من اختفاء الوظائف بالكامل، سيقوم الذكاء الاصطناعي بتغيير طبيعة العديد من الوظائف الحالية. سيتم ميكنة المهام الروتينية، مما يسمح للعاملين بالتركيز على المهام التي تتطلب مهارات بشرية فريدة مثل التفكير النقدي، والإبداع، وحل المشكلات المعقدة، والتفاعل الاجتماعي. هذا التحول يتطلب من القوى العاملة إعادة تأهيل وتطوير مهاراتهم باستمرار للتكيف مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل.
مع التغيرات التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، تبرز الحاجة إلى تطوير مهارات جديدة والتكيف مع المتطلبات المتغيرة. يمكن تقسيم المهارات المطلوبة في المستقبل إلى فئتين رئيسيتين:
تعتبر المهارات التقنية أساسية للتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها. من أهم هذه المهارات:
على الرغم من أهمية المهارات التقنية، فإن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه محاكاة جميع القدرات البشرية. لذا، تزداد أهمية المهارات الشخصية التي تميز الإنسان.و من أبرز هذه المهارات:
للتكيف مع مستقبل الوظائف، يصبح إعادة التأهيل (Reskilling) والتدريب المستمر (Upskilling) أمرًا حتميًا. لذا يجب على الأفراد والمؤسسات والحكومات الاستثمار في برامج التدريب التي تساعد العاملين على اكتساب المهارات الجديدة المطلوبة، وتحويل مساراتهم المهنية إذا لزم الأمر. و يضمن هذا أن تظل القوى العاملة ذات قدرة على التنافسية في عصر الذكاء الاصطناعي.
التحديات والفرص
يفرض الذكاء الاصطناعي مجموعة من التحديات والفرص على سوق العمل، تتطلب استجابات استراتيجية من الأفراد والمؤسسات والحكومات.
التحديات
•البطالة التكنولوجية: وهي فقدان الوظائف بسبب التغير التقني، حيث تحل الميكنة والذكاء الاصطناعي محل المهام البشرية. على الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن هذه البطالة قد تكون مؤقتة وتؤدي إلى زيادة الطلب على القوى العاملة على المدى الطويل، إلا أنها تثير مخاوف بشأن التحولات في سوق العمل.
•الفجوة في المهارات: مع ظهور وظائف جديدة وتغير طبيعة الوظائف الحالية، تنشأ فجوة بين المهارات التي يمتلكها العمال والمهارات المطلوبة في سوق العمل. يتطلب ذلك استثمارات كبيرة في برامج إعادة التأهيل والتدريب المستمر.
•العدالة الاجتماعية والمساواة: هناك مخاوف بشأن التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على التوظيف والترقيات.
•الأمن السيبراني وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي: مع تزايد الاعتماد على الأنظمة الذكية، تزداد مخاطر الهجمات السيبرانية. كما تثير قضايا أخلاقية تتعلق بالخصوصية، والمسؤولية، والتحكم في الأنظمة الذكية.
الفرص
•زيادة الإنتاجية والكفاءة: يعزز الذكاء الاصطناعي الإنتاجية البشرية من خلال ميكنة المهام الروتينية، مما يسمح للعمال بالتركيز على المهام ذات القيمة المضافة العالية. هذا يؤدي إلى زيادة الكفاءة في مختلف القطاعات.
•ابتكار فرص عمل جديدة: على الرغم من فقدان بعض الوظائف، يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى ابتكار وظائف جديدة تمامًا في مجالات مثل تطوير الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني، وإدارة الأنظمة الذكية.
•تحسين جودة الحياة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحسين جودة الحياة من خلال تطوير حلول مبتكرة في مجالات مثل الرعاية الصحية، والنقل، والتعليم، مما يوفر خدمات أفضل وأكثر كفاءة.
•الابتكار والنمو الاقتصادي: يدفع الذكاء الاصطناعي عجلة الابتكار في مختلف الصناعات، مما يؤدي إلى تطوير منتجات وخدمات جديدة، ويساهم في النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
إحصائيات وتوقعات حول مستقبل الوظائف في ظلالذكاء الاصطناعي
تتعدد الدراسات والتقارير التي تتناول تأثير الذكاء الاصطناعيعلى سوق العمل، وتقدم إحصائيات و توقعات متباينة تعكس تعقيدالظاهرة وتعدد العوامل المؤثرة. ومع ذلك، تتفق معظم هذه التقاريرعلى أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تحولاً كبيراً في طبيعةالوظائف والمهارات المطلوبة.
تقارير عالمية وتوقعات رئيسية
صندوق النقد الدولي (IMF)
:World Economic Forum(المنتدى الاقتصادي العالمي.
وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف 2025 الذي أصدره المنتدى منالمتوقع أن يؤدي التحول الهيكلي لسوق العمل بسبب الذكاءالاصطناعي إلى خلق وظائف جديدة تعادل 14% من إجماليالعمالة الحالية. أي 170 مليون وظيفة .
ومع ذلك من المتوقع أن يقابل هذا النمو إزاحة ما يعادل 8%منإجمالي العمالة الحالية أو 92 مليون وظيفة ، مما يؤدي إلىنمو صافي بنسبة 7% من إجمالي العمالة، أو 78 مليونوظيفة .
كما أشار التقرير إلى أن نصف أصحاب العمل في العالميخططون لإعادة توجيه أعمالهم طلباً للفرص الجديدة التيتأتي بها التكنولوجيا. ويتوقع أن يكون تحسين مهارات العمالهو أكثر استجابات سوق العمل شيوعاً، إذ يخطط 77% منأصحاب العمل للقيام بذلك غير أن 41% منهم يخططونلتقليص حجم قوتهم العاملة مع ميكنة بعض المهام بالذكاءالاصطناعي، ويتوقع أكثر من نصف أصحاب العمل نقلموظفيهم من الوظائف المتأثرة بالذكاء الاصطناعي إلى أقسامأخرى من أعمالهم، للتخفيف من حالات نقص المهارات و فيالوقت نفسه تقليص الكلفة البشرية للتحول التكنولوجي.
Goldman Sachs جولدمان ساکس
McKinsey ماكينزي
مايكروسوفت Microsoft:
أجرت “مايكروسوفت” دراسة على قياس مرونة الوظائف من خلال ثلاث فئات: الأولى هي الوظائف التي يستخدم فيها حاليا الذكاء الاصطناعي، والثانية تحديد ما إذا كان استخدام الذكاء الاصطناعي ناجحا في تلك الوظائف، أما الفئة الثالثة فتحدد كمية العمل الإجمالي الذي يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها في تلك المهنة.
وخلصت الدراسة إلى أن الوظائف التي تتعامل مع اللغة المكتوبة أو الشفوية، بالإضافة إلى وظائف خدمة العملاء تتصدر قائمة الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال، والأكثر عرضة للخطر . أما الأدوار المتعلقة بالأعمال الجسدية المتخصصة ومشغلي المعدات فهي من بين الأقل عرضة للاستبدال.
تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة التأمين
لقد أحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في صناعة التأمين، حيث لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من العمليات الأساسية. هذا التحول يشمل جوانب متعددة من سلسلة القيمة التأمينية، من الاكتتاب وتقييم المخاطر إلى معالجة المطالبات وخدمة العملاء.
يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تحسين كفاءة ودقة العمليات التأمينية، ففي مجال تقييم المخاطر والاكتتاب تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك البيانات التاريخية، وأنماط السلوك، وحتى البيانات المستقاة من أجهزة الاستشعار (مثل تلك الموجودة في السيارات أو المنازل)، لتقديم تقييمات أكثر دقة للمخاطر. هذا يمكن شركات التأمين من تسعير الوثائق بشكل أكثر عدلاً وتخصيصاً، مما يعود بالنفع على كل من الشركة والعميل
أما في معالجة المطالبات فيمكن للذكاء الاصطناعي ميكنة العديد من المهام الروتينية، مثل التحقق من صحة المطالبات، ومطابقة البيانات، وحتى الكشف عن الاحتيال من خلال تحليل الأنماط المشوهة في المطالبات، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تجديد الأنشطة الاحتيالية المحتملة بسرعة وفعالية، مما يوفر على شركات التأمين خسائر مالية كبيرة. هذا لا يسرع فقط من عملية معالجة المطالبات، بل يزيد أيضاً من دقتها ويقلل من الأخطاء البشرية .
يمكن الذكاء الاصطناعي شركات التأمين من الانتقال من نماذجالتأمين التقليدية إلى تقديم حلول أكثر تخصيصا من خلال تحليلالبيانات الفردية للعملاء. ويمكن للذكاء الاصطناعي تطوير منتجاتوخدمات تأمينية مصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم العديدة .علىسبيل المثال :يمكن تقديم وثائق تأمين على السيارات تعتمد علىسنوات القيادة العملي أو وثائق تأمين صحي مخصصة بناء علىنمط حياة الفرد وحالته الصحية. هذا التخصيص لا يزيد فقطمن جاذبية المنتجات بل يعزز أيضاً الولاء لدى العملاء .
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في إدارة وتخفيف المخاطرالمرتبطة بالكوارث الطبيعية وغيرها من الأحداث الكارثية . فيمكنللخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل أنماط الطقسوالبيانات الجغرافية والبيانات التاريخية للتنبؤ بالتأثير المحتملللكوارث بدقة أكبر. وهذا يسمح لشركات التأمين بتقديم تغطيةأكثر دقة وشمولاً، وتحديد المناطق عالية المخاطر، وتعديل أقساطالتغطية وفقاً لذلك. ومع ذلك من المهم الإشارة إلى أن الكوارثالطبيعية غالباً ما تنطوي على عوامل معقدة وغير متوقعة لا يمكنللخوارزميات التقاطها بالكامل، مما يؤكد على أهمية الجمع بينالخبرة البشرية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
يتطلب تبني الذكاء الاصطناعي من شركات التأمين تطوير بنيتهاالتحتية التكنولوجية وصقل قدرات العاملين لديها. لذا يجب علىالشركات الاستثمار في أنظمة قوية وإدارة البيانات وانشاءمجموعات بيانات جاهزة للتحليل وتنظيم البيانات بشكل فعال عبرالاقسام. كما يتطلب الأمر وجود عاملين ذوي مهارات عالية فيالتقنية والإبداع والاستعداد للتعلم ومواكبة التطورات السريعة فيمجال الذكاء الاصطناعي.
أثر الذكاء الاصطناعي على وظائف التأمين
بينما يقدم الذكاء الاصطناعي فرصاً هائلة لتعزيز الكفاءة والابتكارفي صناعة التأمين، فإنه يثير أيضاً تساؤلات جوهرية حول مستقبلالقوى العاملة في هذا القطاع. يمكن تقسيم أثر الذكاء الاصطناعيعلى وظائف التأمين إلى عدة جوانب رئيسية:
ميكنة المهام الروتينية وفتح آفاق جديدة
يتيح الذكاء الاصطناعي ميكنة العديد من المهام المتكررة في قطاع التأمين، مثل معالجة البيانات، وإدخال المعلومات، والتحقق من الوثائق، وأتمتة بعض مراحل معالجة المطالبات البسيطة. كما يمكن لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التعامل مع استفسارات العملاء المتكررة بكفاءة، مما يمنح الموظفين البشريين الفرصة للتركيز على مهام أكثر تعقيدًا وإبداعًا.
وبالإضافة إلى ذلك، تسهم أنظمة الاكتتاب الذكية في تحليل كميات هائلة من البيانات لتقييم المخاطر بسرعة ودقة، مما يساعد المكتتبين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة بدلًا من القيام بالأعمال الروتينية. كما أن أدوات الكشف عن الاحتيال المعتمدة على الذكاء الاصطناعي قادرة على تحديد الأنماط المشبوهة بكفاءة، مما يدعم محققي الاحتيال في التركيز على القضايا المعقدة التي تتطلب مهارات تحليلية وإنسانية متقدمة. وبذلك، تسهم هذه التقنيات في تعزيز الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات، مع فتح المجال أمام أدوار ووظائف جديدة تدعم الابتكار والنمو.
ظهور وظائف جديدة وتغير الأدوار الحالية
على الرغم من التحديات المتعلقة بفقدان الوظائف، فإن الذكاءالاصطناعي لا يؤدي فقط إلى إزالة الوظائف، بل يخلق أيضاًوظائف جديدة ويغير طبيعة الأدوار الحالية. ستظهر الحاجة إلىمتخصصين في المجالات التالية:
بالإضافة إلى ذلك، ستتغير أدوار الموظفين الحاليين. فبدلاًمن التركيز على المهام الروتينية، سيتحول تركيزهم إلىالمهام التي تتطلب مهارات بشرية فريدة، مثل:
الحاجة إلى إعادة صقل المهارات وتطويرها
لمواكبة هذه التغيرات يصبح إعادة صقل المهارات(reskilling) وتطويرها (upskilling) أمراً حتمياً للعاملينفي قطاع التأمين يجب على الشركات والموظفين الاستثمارفي برامج التدريب التي تركز على المهارات الرقمية، وتحليلالبيانات، وفهم الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تعزيزالمهارات الناعمة مثل التفكير النقدي، والتعاون، والقدرة علىالتكيف.
و ستكون الشركات التي تستثمر في تطوير موظفيهاأكثر قدرة على الاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاءالاصطناعي، وتحويل التحديات إلى فرص للنمووالابتكار.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية:
انطلاقًا من دوره في دعم تطوير سوق التأمين ومواكبة التحولات التكنولوجية العالمية، يرى الاتحاد أن الذكاء الاصطناعي يُعد أداة محورية في إعادة تشكيل مستقبل الوظائف داخل قطاع التأمين، إذ يوفر فرصًا واسعة لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتطوير خدمات العملاء، وتعزيز دقة الاكتتاب وتسوية المطالبات.
ورغم التقدم التكنولوجي المتسارع والتحول الرقمي الذي يشهده قطاع التأمين، يظل العنصر البشري ركيزة أساسية لا غنى عنها في هذه الصناعة. فالخبرات البشرية تُمثّل جوهر العمليات التأمينية، سواء في فهم احتياجات العملاء، أو في إدارة المخاطر، أو في اتخاذ قرارات الاكتتاب المعقدة التي تتطلب فهماً دقيقًا للسياقات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن التفاعل الإنساني يظل عاملًا حاسمًا في بناء الثقة مع العملاء، وتعزيز الولاء، وتقديم الدعم الفعّال أثناء إدارة المطالبات أو تقديم المشورة التأمينية. ولذلك، فإن الاستثمار في تنمية الكوادر البشرية، وتطوير مهاراتهم، وتمكينهم من مواكبة التحولات الرقمية، يُعد أحد أهم عوامل نجاح واستدامة صناعة التأمين في المستقبل.
لذا يؤكد الاتحاد على أهمية التوازن بين تبني التقنيات الحديثة والحفاظ على العنصر البشري، من خلال الاستثمار في إعادة تأهيل الكوادر البشرية وتأهيلها لوظائف المستقبل، لا سيما تلك المرتبطة بتحليل البيانات، وأمن المعلومات، وإدارة النماذج الذكية.
كما يشدد الاتحاد على ضرورة تبني استراتيجيات واضحة للتحول الرقمي العادل والمسؤول، بما يضمن خلق بيئة عمل مستدامة لا تقصي الموظفين، بل تعزز من قدراتهم وتوفر فرصًا جديدة للنمو المهني داخل القطاع.
وفي هذا الإطار، يواصل الاتحاد جهوده لدعم التدريب وبناء القدراتلضمان جاهزية سوق العمل التأميني لمتطلبات عصر الذكاء الاصطناعي.
لا يمثل الذكاء الاصطناعي تهديداً لوظائف التأمين بقدرما يمثل دعوة للتطور والابتكار. لذا فإن مستقبل صناعةالتأمين يكمن في التعاون الفعال بين القدرات التحليليةللذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية المتميزة.