دور التأمين في تمكين المرأة في ظل مخاطر المناخ

يشكل تغير المناخ أحد أبرز التحديات العالمية في القرن الحادي والعشرين، وتتجاوز آثاره التداعيات البيئية والاقتصادية لتشمل أبعاداً اجتماعية عميقة. وتبدو تأثيرات المناخ غير محايدة تماماً من حيث النوع الاجتماعي، حيث تتعرض النساء والفتيات لأضرار غير متكافئة بسبب الهياكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة والتي تزيد من هشاشتهن. ففي العديد من المجتمعات، تتحمل النساء مسؤولية توفير الغذاء والماء والطاقة، مما يجعلهن أكثر عرضة لتأثيرات الجفاف والفيضانات والظواهر الجوية المتطرفة.
في هذا السياق، برزت آليات التأمين ضد مخاطر المناخ (Climate Risk Insurance) كأداة هامة ليس فقط لحماية سبل العيش والأصول من الصدمات المناخية، بل وكوسيلة فعالة لتعزيز المرونة الاقتصادية وتمكين المرأة. لذا فإن توفير شبكة أمان مالي للمرأة يمكن أن يحول دون تدهور أوضاعها بعد الكوارث، ويسمح لها بالاستثمار في ممارسات التكيف المناخي، مما يعزز دورها كعنصر أساسي في العمل المناخي .
من أشد عواقب تغير المناخ إلحاحًا وقسوة ازدياد وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، بدءًا من الأعاصير والفيضانات ووصولًا إلى الجفاف. ويمكن للظواهر الجوية المتطرفة أن تُدمر الثروة الحيوانية والمحاصيل ومصادر المياه العذبة، وأن تُؤجج الاضطرابات الأهلية والصراعات من خلال الحد من الوصول إلى الموارد. كما يمكن للظواهر الجوية المتطرفة أن تجعل المناطق المكتظة بالسكان غير صالحة للسكن، مما يؤدي إلى النزوح والهجرة القسرية، وهو ما يزيد احتمال تأثيره على سكان البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنحو خمسة أضعاف.
وتعاني النساء بشكل رئيسي من صعوبة إيجاد مأوى آمن من الظواهر الجوية المتطرفة. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي عام 2016 إلى أن معدل الوفيات المرتبط بالأعاصير في بنغلاديش أعلى بكثير بين النساء منه بين الرجال، ويرجع ذلك في الغالب إلى نقص مرافق الإيواء المناسبةللإناث والخوف من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وغالبًا ما تواجه النساء تهديدًا متزايدًا بالعنف المنزلي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء الكوارث المناخية، كما ورد في دراسة أجرتها جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في عام 2022. فخلال فترات الجفاف الواسعة في ميكرونيزيا، على سبيل المثال، شهدت النساء ارتفاعًا في حالات الاغتصاب والإساءة حيث غالبًا ما كن يُدفعن إلى السير لمسافات أبعد للوصول إلى آبار المياه؛
تؤدي كوارث تغير المناخ إلى تقليص فرص حصول النساء والفتيات على الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والإنجابية لتنظيم الأسرة، والأمراض المنقولة، والولادة، والتدخلات الطبية المنقذة للحياة. وهذا يزيد من انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها ووفيات الأمهات. كما تتفاقم بعض الأمراض، بما في ذلك تلك الشائعة في مخيمات اللاجئين، بسبب تغير المناخ. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتسبب الملاريا والإجهاد الحراري في حوالي 250,000 حالة وفاة إضافية سنويًا بين عامي 2030 و2050.
وفي كثير من الأحيان، تُجبر النساء على تولي مسؤولية الأسر بمفردهن، مما يزيد من احتمالية هجرة الرجال، وفي بعض المجتمعات، لا تستطيع النساء امتلاك الأراضي، ما يُعرّضهن لسوء التغذية. إضافةً إلى ذلك، تُجبر الفتيات في كثير من الأحيان على الانقطاع عن الدراسة، مما يعيق التقدم الاجتماعي، ويحول دون تحسين مستويات المعيشة، ويساهم في التخلص من الفقر، ويديم الفجوة بين الجنسين لأجيال قادمة.
وقد أدركت المنظمات الحكومية والدولية ضرورة معالجة عدم المساواة بين الجنسين بالتزامن مع تغير المناخ. وإلى جانب الحكومات، يقع العبء بشكل متزايد على عاتق المنظمات والقطاعات المالية، مثل شركات التأمين، التي تتمتع بالخبرة اللازمة في إدارة المخاطر، لريادة الحلول الاقتصادية لهذه القضايا وبناء مرونة واسعة النطاق.
ومع ذلك، لا يمكننا بناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ دون ضمان المرونة المالية أولاً، وخاصةً للنساء. ويشمل ذلك ضمان الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية، مثل المدفوعات الرقميةوالادخار والائتمان والتأمين.
اليوم، تفتقر 753 مليون امرأة في أكثر البلدان تأثراً بتغير المناخ إلى أبسط الخدمات المالية، مثل الوصول إلى حسابات التوفير الرسمية ومنتجات التأمين التي تحمي أصولهن وسبل عيشهن من آثار تغير المناخ.
وقد أعلنت الشبكة المصرفية العالمية للمرأة Women’s World Banking أن 880مليون امرأة اليوم لا يستطعن التعامل مع المدفوعات الرقمية، مما يعني أنهن لا يستطعن الحصول على مساعدات الإغاثة الطارئة من الحكومات أو منظمات الدعم في أعقاب كارثة مناخية.
وتتحمل ملايين النساء حول العالم وطأة آثار المناخ. و تُظهر الأبحاث أن النساء أكثر عرضة للوفاة في الكوارث المرتبطة بالمناخ بأربعة عشر ضعفًا من الرجال، ومن المتوقع أن يدفع تغير المناخ 158 مليون امرأة وفتاة أخرى إلى براثن الفقر بحلول عام 2050. ولكن ماذا لو وُجدت طريقة للنهوض بالعمل المناخي وانتشال ملايين النساء من براثن الفقر؟
سنتناول فيما يلي دور التأمين في تمكين المرأة في ظل مخاطر المناخ من خلال عدة محاور:
المحور الأول: إطار العلاقة بين النوع الاجتماعي والمخاطر المناخية وتأمين مخاطر المناخ وتأثيرها النوعي على المرأة
تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة بين الجنسين. وتعاني النساء من آثار المناخ بشكل أكبر لأسباب هيكلية واجتماعية، أهمها:
مفهوم تمكين المرأة في سياق المناخ
لا يقتصر تمكين المرأة على تحقيق المساواة فحسب، بل يشمل أيضاً تعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات، والوصول إلى الموارد، والتحكم في حياتها. ويعني التمكين في سياق المناخ:
تعريف التأمين ضد مخاطر المناخ
هو آلية لنقل المخاطر، تهدف إلى توفير تعويضات مالية للأفراد والمجتمعات والشركات والحكومات المتضررة من الظواهر الجوية المتطرفة. ويشمل أنواعاً رئيسية:
•التأمين الزراعي القائم على المؤشر (Index-Based Agricultural Insurance): يعتمد هذا النوع من التأمين على مؤشرات موضوعية (مثل كمية الأمطار أو درجة الحرارة) بدلاً من تقييم الخسارة الفعلي، مما يسرّع من عملية صرف التعويضات.
•التأمين متناهي الصغر (Microinsurance): يقوم على طرح منتجات تأمينية مصممة خصيصاً لذوي الدخل المحدود، بأقساط صغيرة ومناسبة.
•التأمين البارامتري (Parametric Insurance): يدفع تعويضات محددة مسبقاً بناءً على تجاوز حدث مناخي معين لمستوى محدد (مثل سرعة الرياح أو ارتفاع منسوب المياه)، مما يضمن سرعة السداد.
المحور الثاني: آليات التأمين كوسيلة لتمكين المرأة
يعمل التأمين كجسر يربط بين الحماية المالية والتمكين الاقتصادي للمرأة من خلال عدة آليات:
يعد التأمين شبكة أمان حيوية، خاصة للنساء اللواتي يمتلكن أصولاً محدودة و ذلك عن طريق:
لا يقتصر دور التأمين على التعويض، بل يمتد إلى تحفيز السلوكيات الإيجابية من خلال:
ج. المنتجات التأمينية الحساسة للنوع الاجتماعي
حتى تكون آليات التأمين فعالة في تمكين المرأة، يجب أن تكون مصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتها:
|
نوع المنتج التأميني |
الميزة التمكينية للمرأة |
أمثلة على الاستخدام |
|
التأمين متناهي الصغر |
أقساط منخفضة ومتاحة لذوي الدخل المحدود، مما يسد الفجوة بين الجنسين في الوصول المالي. |
حماية المشاريع الصغيرة، تغطية صحية، تأمين على الحياة. |
|
التأمين البارامتري |
دفع سريع وتلقائي للتعويضات، مما يوفر سيولة فورية للتعافي دون الحاجة للتعامل مع إدارات المطالبات بشركات التأمين. |
تعويضات فورية عند تجاوز درجة الحرارة مستوى معين (موجات الحر)، أو انخفاض الأمطار (الجفاف). |
|
التغطية العائلية الشاملة |
تلبية احتياجات المرأة التي غالباً ما تهتم بحماية الأسرة بأكملها، بدلاً من التركيز على الأصول الفردية فقط. |
تغطية صحية أو تغطية الممتلكات وتشمل تغطية الزوج والأطفال، مما يعزز دورها كمديرة مالية للأسرة. |
المحور الثالث: التحديات والمعوقات أمام وصول المرأة للتأمين المناخي
على الرغم من الإمكانات الهائلة، تواجه المرأة تحديات كبيرة في الوصول إلى خدمات التأمين المناخي والاستفادة منها.
تعد الحواجز غير المالية أحياناً أكثر صعوبة من الحواجز الماليةومن أمثلتها:
ج. التحديات الخاصة بالتوزيع وإمكانية الوصول
المحور الرابع: تجارب دولية ناجحة
أثبتت العديد من المبادرات العالمية أن التأمين يمكن أن يكون أداة تمكين فعالة عندما يتم تصميم منتجاته بعناية.. و من أمثلة التجارب الناجحة:
التوصيات والحلول المقترحة
لتحقيق أقصى استفادة من التأمين كأداة لتمكين المرأة في مواجهة مخاطر المناخ، يجب العمل على المستويات التالية:
|
المستوى |
التوصية الرئيسية |
الآلية المقترحة |
|
تصميم المنتج |
دمج منظور النوع الاجتماعي : |
تصميم منتجات تأمينية تتناسب مع الأصول التي تملكها أو تديرها المرأة (مثل الماشية، الأدوات المنزلية) بالإضافة إلى التأمين الصحي، بدلاً من التركيز على الأراضي فقط. |
|
الوصول والتوزيع |
الاعتماد على التقنيات الرقمية والشركاء المحليين: |
استخدام الهواتف المحمولة ومنصات التكنولوجيا المالية (FinTech) لتسهيل شراء التأمين وصرف التعويضات، والتعاون مع الجمعيات النسائية المحلية لزيادة الوعي. |
|
بناء القدرات |
التعليم المالي والتأميني: |
تطوير برامج تدريبية موجهة للمرأة لشرح مفهوم التأمين والمخاطر المناخية بلغة مبسطة، مما يعزز الثقة ويزيد من الإقبال. |
|
البيانات والبحوث |
سد فجوة البيانات النوعية: |
مطالبة المؤسسات المالية بجمع ونشر بيانات مفصلة حسب النوع الاجتماعي حول الخسائر المناخية والوصول إلى خدمات التأمين. |
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية:
يرى اتحاد شركات التأمين المصرية أن تمكين المرأة في مواجهة مخاطر المناخ لم يعد خيارًا تنمويًا فحسب، بل أصبح ضرورة استراتيجية لضمان قدرة المجتمع والاقتصاد على الصمود. فالمرأة، بوصفها طرفًا رئيسيًا في منظومة الإنتاج ورعاية الأسرة وإدارة الموارد، تتعرض عادةً لآثار الكوارث المناخية بصورة غير متكافئة مقارنةً بالرجال، وهو ما يجعل دور صناعة التأمين محوريًا في الحد من هذه الفجوة وتعزيز جاهزيتها.
ويؤكد الاتحاد أن التأمين يقدم أدوات عملية لحماية النساء من الخسائر المفاجئة عبر توفير تغطيات ميسّرة، ومنتجات مصممة خصيصًا لاحتياجاتهن، إضافة إلى دعم مشروعاتهن الصغيرة والمتوسطة التي تمثل عنصرًا مهمًا في تعزيز الاستقلال الاقتصادي والاستدامة الأسرية.
كما يشدد الاتحاد على أهمية دمج منظور النوع الاجتماعي في سياسات الاكتتاب، وإدارة المخاطر، وبناء المنتجات التأمينية، بما يعزز قدرة النساء على التكيف مع تحديات التغير المناخي، سواء عبر التأمين الزراعي، أو التأمين الصحي، أو التأمين متناهي الصغر، أو برامج التعويضات السريعة بعد الكوارث.
ويؤمن الاتحاد بأن توسيع نطاق الشمول التأميني للمرأة سيؤدي إلى تحسين قدرتها على الصمود المالي في مواجهة الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، وتطوير قدرتها على الاستثمار في الممارسات المناخية المستدامة، مما يعزز مساهمتها كقوة فاعلة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.



