تمويل

أهمية الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي في صناعة التأمين نحو شمول مالي مستدام

اعتمد الاكتتاب التأميني تقليديًا على البيانات الديموغرافية والطبيةوالمهنية والمالية لتقييم المخاطر وتسعيرها. ومع ذلك، فإن أحد الأبعادالتي حظيت باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة هو النوعالاجتماعيليس كمحدد بيولوجي للمخاطر فحسب، بل كعاملاجتماعي واقتصادي وسلوكي يُشكل التعرض للمخاطر والوصولإلى الحماية المالية. وقد أدى هذا التحول إلى ظهور مفهوم الاكتتابالتأميني المراعي للنوع الاجتماعي، والذي يهدف إلى ضمان معاملةالرجال والنساء بإنصاف ومساواة، وبناءً على ملفات تعريف دقيقةللمخاطر تراعي نقاط الضعف والسلوكيات والواقع الاجتماعيوالاقتصادي لكل جنس.

والاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي لا يعني فرض أقساطمختلفة للرجال عن النساء. بل يتضمن فهم ودمج محدداتالمخاطر المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وإزالة التحيزاتالضمنية في أدوات الاكتتاب، وتصميم عمليات تأمين تُعززالوصول والحماية لكلا الجنسين، وخاصةً النساءاللواتي غالبًا ما يعانين من صعوبة الوصول للتأمينويواجهن عوائق تتعلق بالدخل، والوعي المالي، والقدرةعلى التنقل، والمعايير الثقافية. في سياق عالمي يتسمبتغير المناخ، وتوسع النظم الرقمية، وتزايد الطلب علىحلول تأمينية شاملة، أصبح الاكتتاب المراعي للفوارق بينالجنسين ركيزةً أساسيةً للتأمين المستدام والمسؤول. ويتماشى هذا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة،وخاصةً الهدف الخامس (المساواة بين الجنسين) والهدفالعاشر (الحد من أوجه عدم المساواة)، ويعزز دور قطاعالتأمين في تعزيز العدالة الاجتماعية والشمول المالي.

الإطار النظري: من الحياد إلى المراعاة

لفهم الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي، من الضروري التمييز بينه وبين مفهومين آخرين: الاكتتاب القائم على النوع الاجتماعي (Gender-Based Underwriting) والاكتتاب المحايد تجاه النوع الاجتماعي (Gender-Neutral Underwriting).

مفهوم الاكتتاب

التعريف

الممارسة في الاكتتاب

الأثر على الشمول المالي

القائم على النوع الاجتماعي

استخدام النوع الاجتماعي كعامل أساسي في تقييم المخاطر والتسعير (مثل تسعير وثائق تأمين السيارات بناءً على إحصائيات حوادث الذكور والإناث).

يحدد السعر والشروط بناءً على النوع الاجتماعي.

قد يؤدي إلى تسعير غير عادل أو تمييزي في بعض الأسواق.

المحايد للنوع الاجتماعي

إزالة النوع الاجتماعي كعامل تسعير أو تقييم للمخاطر بشكل كامل.

يعتمد على عوامل أخرى (مثل العمر، التاريخ الصحي، المهنة) دون اعتبار للنوع الاجتماعي.

يضمن المساواة في التسعير، لكنه قد يفشل في تلبية الاحتياجات المتباينة.

المراعي للنوع الاجتماعي

تجاوز الحياد لتصميم منتجات وعمليات تأخذ في الاعتبار الاحتياجات والمخاطر والظروف الاقتصادية والاجتماعية المتباينة بين الجنسين.

يركز على تعديل المنتج والعملية لزيادة الوصول والملاءمة، بدلاً من مجرد التسعير.

يعزز الشمول المالي من خلال تلبية الاحتياجات المحددة للفئات المستبعدة، خاصة النساء

إن التحول من الحياد إلى المراعاة يمثل اعترافاً بأن النساء، خاصة في الاقتصادات النامية، يواجهن مخاطر فريدة (مثل فقدان الدخل بسبب الحمل، أو العنف القائم على النوع الاجتماعي، أو القيود القانونية والاجتماعية على ملكية الأصول) ، لذا لا يكفي أن يكون المنتج “محايداً”؛ بل يجب أن يكون مصمماً بوعي ليتناسب مع واقع حياتهن وظروف عملهن غير الرسمية في كثير من الأحيان.

الاختلافات بين الجنسين في أنماط المخاطر

يتطلب فهم المخاطر الخاصة بالنوع الاجتماعي استكشاف الأبعادالبيولوجية والاجتماعية والاقتصادية.

ا. العوامل البيولوجية والصحية
تعيش النساء عمومًا عمرًا أطول من الرجال، مما يؤثر علىتسعير تأمينات الحياة وهياكل المعاشات التقاعدية.
تؤثر بعض الأمراض على النساء بشكل غير متناسب (مثلسرطان الثدي، وهشاشة العظام).
يُظهر الرجال احتمالية أكبر للانخراط في سلوكيات عاليةالخطورة (الحوادث، والتدخين، وبعض المهن).
ب. العوامل الاجتماعية
تتحمل النساء نصيبًا أكبر من أعمال الرعاية غير مدفوعةالأجر.
قد تحد الأعراف الاجتماعية من قدرة المرأة على التنقل أوالوصول إلى فرص العمل الرسمية في بعض المناطق.
تواجه النساء ضعفًا أكبر أثناء الحمل أو في فترات عدمالاستقرار الاقتصادي.
ج. العوامل الاقتصادية
يؤثر عدم المساواة في الدخل على القدرة على تحمل أقساطالتأمين.
غالبًا ما تفتقر رائدات الأعمال إلى ضمانات أو سجل مالي، ممايؤثر على قبول التأمين.
تميل النساء أكثر إلى إدارة أعمال غير رسمية، مما يزيد منتعرضهن للصدمات.
د. العوامل السلوكية
تميل النساء إلى تجنب المخاطرة ويتبنين سلوكيات أكثرأمانًا .
يُظهر الرجال معدل مطالبات أعلى في تأمين السيارات فيالعديد من البلدان.

وتُبرز هذه الاختلافات الحاجة إلى معايير اكتتاب مُصممةخصيصًا تعكس بشكل عادل الحقائق القائمة على النوعالاجتماعي.

أهمية الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي في صناعة التأمين

تتعدد الأبعاد التي تبرز أهمية تبني هذا النهج، حيث تتجاوز الفوائد مجرد الامتثال الأخلاقي لتشمل مكاسب اقتصادية واستراتيجية وتنظيمية لشركات التأمين.

1. المنظور الاقتصادي: الوصول إلى سوق غير مستغل

يُقدر أن هناك فجوة كبيرة في الحماية التأمينية للنساء على مستوى العالم، تمثل فرصة سوقية هائلة لشركات التأمين. لذا فإن تبني ممارسات اكتتاب تراعي النوع الاجتماعي يفتح الباب أمام شريحة واسعة من العملاء، خاصة النساء العاملات في القطاع غير الرسمي أو صاحبات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

إن تلبية الاحتياجات التأمينية للمرأة لا يمثل فقط قضية عدالة اجتماعية، بل هو أيضاً فرصة عمل مربحة لشركات التأمين. فالنساء يمثلن سوقاً غير مستغلة يمكن أن تساهم في نمو القطاع.

ومن خلال تبسيط إجراءات الاكتتاب واستخدام بيانات بديلة لتقييم المخاطر، يمكن لشركات التأمين خفض تكاليف التشغيل المرتبطة بالعملاء الجدد، مما يجعل تقديم خدمات التأمين الشامل (Inclusive Insurance) مجدياً اقتصادياً.

2. المنظور الاجتماعي: تعزيز المرونة المالية

يساهم التأمين المراعي للنوع الاجتماعي بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، لا سيما الهدف الخامس المتعلق بالمساواة بين الجنسين. فعندما تحصل المرأة على حماية تأمينية مناسبة، تصبح أكثر قدرة على:

التعافي من الصدمات: حيث يمكنها مواجهة النفقات الطبية غير المتوقعة أو خسارة الأصول دون اللجوء إلى بيع ممتلكاتها أو سحب مدخراتها.

الاستثمار في المستقبل: يمنحها التأمين الثقة للاستثمار في تعليم أطفالها أو توسيع أعمالها الصغيرة، مما يعزز دورها الاقتصادي .

حماية الأصول: من خلال تصميم وثائق تأمين تحمي الأصول التي تملكها المرأة أو تديرها، والتي قد تكون غير موثقة رسمياً.

3. المنظور الاستراتيجي

إن تبني نهج مراعاة النوع الاجتماعي يساهم في بناء ثقة طويلة الأمد مع العملاء، وهي قيمة لا تقدر بثمن في صناعة تعتمد على الوعود المستقبلية.

آليات الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي

لا يقتصر الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي على تغيير نموذج التسعير، بل يشمل تعديلات هيكلية في ثلاثة مجالات رئيسية: تصميم المنتج، تقييم المخاطر، وعمليات الاكتتاب.

تصميم المنتج وتغطية المخاطر

يجب أن تعكس المنتجات التأمينية المخاطر المحددة التي تواجهها المرأة. على سبيل المثال:

التأمين الصحي: يجب أن يشمل تغطية شاملة لمخاطر الأمومة، والصحة الإنجابية، والأمراض النسائية، دون فرض أقساط باهظة أو شروط استبعاد غير مبررة.

تأمين الحياة/الحوادث: يجب أن تكون التغطية مرنة لتشمل المرأة العاملة في القطاع غير الرسمي، والتي قد لا تمتلك سجلاً وظيفياً تقليدياً.

تأمين الأصول: تصميم وثائق تحمي الأصول غير التقليدية أو غير الموثقة رسمياً التي تعتمد عليها المرأة في كسب عيشها (مثل أدوات الحرف اليدوية، أو الماشية).

تقييم المخاطر واستخدام البيانات البديلة

تعتمد ممارسات الاكتتاب التقليدية على بيانات تاريخية ومالية قد لا تتوفر لدى النساء، خاصة في المجتمعات الريفية أو الفقيرة. ويتطلب الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي استخدام بيانات بديلة (Alternative Data) لتقييم المخاطر بشكل أكثر دقة وإنصافاً.

مثال:

معيار الاكتتاب التقليدي

البديل المراعي للنوع الاجتماعي

الأثر

بيان الدخل الرسمي

بيان المعاملات عبر الهاتف المحمول، سجلات القروض الصغيرة، سجلات الجمعيات التعاونية.

يتيح تقييم الجدارة الائتمانية والمخاطر للمرأة العاملة في القطاع غير الرسمي.

الفحص الطبي المعقد

الفحص المبسط، أو الاعتماد على تاريخ صحي موثق ذاتياً، أو الفحص الجماعي.

يقلل من العوائق اللوجستية والمالية أمام الحصول على التأمين الصحي.

الوثائق القانونية المعقدة

استخدام المعرفة المجتمعية (Community Knowledge) أو شهادات العضوية في الجمعيات التعاونية كبديل.

يسهل عملية الاكتتاب في المجتمعات التي تعاني من ضعف التوثيق الرسمي.

مرونة عمليات الاكتتاب والدفع

يجب أن تكون عملية شراء التأمين ودفع الأقساط مصممة لتناسب نمط حياة المرأة. يتضمن ذلك:

مرونة الدفع: السماح بالدفعات الصغيرة والمتكررة (يومية أو أسبوعية) بدلاً من الدفعات السنوية الكبيرة، بما يتناسب مع تدفقات الدخل غير المنتظمة.

قنوات التوزيع: استخدام قنوات توزيع يسهل على المرأة الوصول إليها، مثل وسطاء التأمين من النساء، أو منصات الهاتف المحمول.

تجارب بعض الدول :

توضح التجارب العالمية كيف يمكن لممارسات الاكتتاب المراعية للنوع الاجتماعي أن تحدث فرقاً ملموساً في حياة الأفراد وتوسع نطاق أعمال شركات التأمين.

الهند:

تُعد VimoSEWA (وهي جمعية النساء العاملات لحسابهم الخاص) في الهند مثالاً رائداً على التأمين الشامل الذي تقوده النساء لصالحهن. تركز الجمعية على توفير حزمة تأمينية متكاملة (صحة، حياة، أصول، حوادث) للنساء العاملات في القطاع غير الرسمي .

ممارسات الاكتتاب المراعية للنوع الاجتماعي:

التسعير التفضيلي للحزمة العائلية: تقدم الجمعية خصماً كبيراً على الأقساط عندما تشتري المرأة وثيقة تأمين تشمل زوجها وأسرتها. هذا النهج يتجاوز مجرد بيع وثيقة للمرأة، بل يضمن شمولها كصاحبة قرار مالي ويشجع على توسيع التغطية لتشمل الأسرة بأكملها.

تبسيط الاكتتاب الصحي: نظراً لعدم توفر السجلات الطبية الرسمية، تم تبسيط عملية الاكتتاب الصحي بشكل كبير، مع التركيز على الثقة المجتمعية بدلاً من الفحوصات المعقدة، مما يقلل من تكلفة ووقت الاكتتاب.

تغطية المخاطر المهنية: تم تصميم الوثائق لتغطية المخاطر المرتبطة بالمهن غير الرسمية (مثل الحرف اليدوية أو الباعة المتجولين)، وهي مخاطر لا تغطيها وثائق التأمين التقليدية.

الفلبين:

في الفلبين، اعتمدت العديد من الجمعيات التعاونية على نموذج الاكتتاب الجماعي لتقديم التأمين الشامل للنساء في المناطق الريفية.

ممارسات الاكتتاب المراعية للنوع الاجتماعي:

الاكتتاب على مستوى المجموعة: يتم تقييم المخاطر على مستوى المجموعة التعاونية بدلاً من الفرد. مما يقلل من مخاطرالاختيار السلبي ويخفض تكاليف الاكتتاب بشكل كبير، حيث يتم توزيع المخاطر على عدد كبير من الأعضاء.

الاعتماد على قادة المجتمع: يتم تدريب قادة المجموعات النسائية على العمل كوكلاء تأمين، مما يضمن أن عملية الاكتتاب تتم بلغة وثقافة مألوفة، ويزيد من الثقة في المنتج.

تغطية المخاطر المناخية: نظراً لتعرض الفلبين للكوارث الطبيعية، تم تصميم وثائق تأمين صغيرة تغطي الأصول الزراعية والمنزلية، مع آليات صرف سريعة تتناسب مع حاجة المرأة للتعافي الفوري بعد الكارثة.

الاعتبارات الأخلاقية في الاكتتاب على أساس النوع

تجنب التمييز على أساس النوع : يجب على شركات التأمين التمييز بين التمييز العادل للمخاطر (بناءً على البيانات الاكتواريةوالتمييز غير العادل (بناءً على الصور النمطية أو الخصائص غير ذات الصلة).
الشفافية في استخدام البيانات: يجب على شركات التأمين أن توضح للعملاء سبب استخدام الأسئلة المتعلقة بالنوع في الاكتتاب.

التحديات

على الرغم من الأهمية الواضحة والمكاسب المحتملة، يواجه تطبيق الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي تحديات تتطلب تضافر الجهود بين شركات التأمين والجهات التنظيمية. ومن أهم هذه التحديات

نقص البيانات المفصلة: لا تزال العديد من شركات التأمين تفتقر إلى بيانات مصنفة حسب النوع الاجتماعي حول المطالبات والسلوكيات التأمينية، مما يعيق تصميم منتجات دقيقة ومناسبة .

المقاومة الداخلية: قد تقاوم بعض الإدارات التقليدية في شركات التأمين التغيير، معتبرة أن تبسيط الاكتتاب أو استخدام البيانات البديلة يزيد من المخاطر.

رأي اتحاد شركات التأمين المصرية

يُعد الاكتتاب المراعي للفوارق بين الجنسين في التأمين أمرًا أساسيًا لبناء سوق تأمين شاملة وعادلة ومستدامة. ومن خلال فهم الاختلافات بين الجنسين في التعرض للمخاطر، يمكن لشركات التأمين تحسين دقة تقييم المخاطر، وتصميم منتجات أكثر عدلًا وملاءمة، وتوسيع نطاق التغطية لتشمل ملايين النساء المحرومات من الخدمات حول العالم.

إن دمج اعتبارات النوع الاجتماعي في عمليات الاكتتاب لا يدعم المساواة الاجتماعية فحسب، بل يفتح أيضًا فرصًا تجارية جديدة ويعزز مرونة الأسر والمجتمعات والاقتصادات. ومع تزايد التركيز العالمي على الشمول المالي والتنمية المستدامة، سيظل الاكتتاب المراعي للنوع الاجتماعي أداةً حيويةً لشركات التأمين الملتزمة بالابتكار والإنصاف والنمو طويل الأجل..

إن النجاحات التي حققتها الكثير من الدول في هذا المجال تقدم دليلاً قاطعاً على أن هذا النهج ليس ممكناً فحسب، بل هو مفتاح المستقبل لصناعة تأمين أكثر عدالة وفعالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى